%d8%a7%d9%84%d8%a7%d8%b9%d8%aa%d8%b1%d9%81-%d8%a8%d8%ad%d9%82-%d8%a7%d9%84%d9%8a%d9%87%d9%88%d8%af-%d8%a8%d8%a7%d9%86%d8%b4%d8%a7%d8%a1-%d9%88%d8%b7%d9%86-%d9%84%d9%87%d9%85-%d9%81%d9%8a-%d9%81%d9%84

الاعترف بحق اليهود بانشاء وطن لهم في فلسطين!

ربما تعرفون أنّ الانتداب البريطاني على فلسطين بدأ سنة 1922، وبريطانيا عندما أعطت هذا الوعد لم تكن بعد مُنتدَبة على فلسطين. ففي 2/11/1917 توجه بلفور وزير خارجية بريطانيا العظمى آنذاك بخطاب إلى ممثل المجلس اليهودي روتشيلد ووعده بأن حكومة بريطانيا والتاج سيعملان من أجل اقامة موطن أو ملجأ قومي للشعب اليهودي او لليهود في فلسطين. ونحن هنا نتحدث عن المضمون وليس عن نص بأكمله طبعاً، فلا أريد أن نتوقّف عند الكلمات مثل “تنظر بعين التعاطف..” فهذا وعد من الناحية القانونية.

ولكن دعونا نعرض الوعد فهو تضمّن “دون الانتقاص من الحقوق المدنية والدينية  للطوائف غير اليهودية المقيمة في فلسطين” وأنا من وجهة نظري أنه بالرغم من رفضنا لوعد بلفور وبالرغم من أوجه رفض وبطلان وعد بلفور القانونية وهو ما سنتوقف عنده، فعندنا مسألة ما دامت أصبحت اسرائيل أمر واقع موجود ومن يريد أن يتحدث قانون فهذه الاشارة الموجودة أنه “دون الانتقاص من الحقوق المدنية والدينية للطوائف غير اليهودية المقيمة في فلسطين” هي اشارة مهمة للحقوق المدنية والتي تشمل قدسيّة مكتسبات الفلسطينيين الموجودين في 1948، وتشمل عدم جواز المساس بأموال وبيوت وعقارات ومنقولات الفلسطينيين، وتشمل حق الأشخاص بالإقامة في بلادهم وعدم طردهم من بلادهم. بمعنى حتى أن وعد بلفور بالرغم من عدم تسليمنا به وبالرغم من بطلانه إلا أنه يقول انه دون الانتقاص من هذه الحقوق والمساس بها للطوائف غير اليهودية المقيمة في فلسطين. لاحظوا لا يوجد اعتراف بشعب غير اليهودي ويتعامل أن اليهود شعب أما البقية فهم طوائف وأنا لا اريد ان أدخل بهذه التفاصيل.

فهذا وعد قدمته دولة من خلال ممثلها قبل أن يكون لها أي صلاحية على فلسطين ففي حينه لو تذكرتم عام 1917 فلسطين كانت خاضعة لأي سيادة؟ هل كانت خاضعة لبريطانيا في تلك اللحظة؟ هل كانت تُدار من عصبة الأمم؟ ام كانت تخضع لدولة اخرى؟؟؟؟

صحيح ففلسطين كانت جزءا من الدولة العثمانية بمعنى الذي يمارس السيادة على فلسطين هي الدولة العثمانية وليست بريطانيا. وهل يجوز لدولة أن تتصرف وتقدم وعداً حول إقليم ليس لها عليه أي صلاحية؟! طبعا لا. وليس الموضوع ضعف الدولة العثمانية أو قوتها فالموضوع قانوني ولنوضح ذلك بمثال: فلو كنت شخص ضعيف وجبان وكثير الخوف لكن عندي مال معين فهل هذا يُبرّر أن يأتي الآخرون ويتصرفون به؟! طبعاً لا فهو ملكي.

والفقهاء الصهيونيين في حينها كيّفوا وبحثوا عن صفة مُلزِمة لوعد بلفور فقالوا بأنه تصرف انفرادي يُلزم قانوناً تلك الدولة -وتعرفون أنه بالقانون الدولي يوجد مصادر للالتزامات الدولية هي التصرف الانفرادي من الدولة- وهذا الكلام صحيح لو كانت بريطانيا تملك أن تتصرّف بما وعدت به ولكن ما وعدت به كان يخرج من حدود تصرفاتها.

والمسألة التي أود أتحدث فيها هو أنه بالرغم من أن وعد بلفور باطل وصيغ بعبارات لا تحمل معنى الالزام “تنظر بعين التعاطف .. الخ”، وبالرغم من أن بريطانيا لم تكن تملك صلاحية التصرّف بهذا الاطار، إلا أن الخطير أن وعد بلفور تم ادماجه بصك الانتداب على فلسطين! بمعنى أن الالتزام الناشئ عن وعد بلفور لم يعد ناشئاً عن الوعد ذاته، فبعد أن أُدمج الوعد بصياغته في صك الانتداب أصبح الوضع الناشئ عن وعد بلفور ليس ناشئا عن الوعد ذاته – ألم نقل ببطلانه وقلنا أنه ليس تصرف انفرادي ولا يُرتب أثر ملزم- لكن من أين أتى الالزام؟ أتى من خلال إدماجه بصك الانتداب وتم تضمينه في معاهدة سيفر (8/1920) ولوزان (7/1923) وهذه مسألة جداً مهمة.

 انتقادات وعد بلفور

  • وعد بلفور يخالف حق الشعوب في تقرير المصير فوعد بإقامة دولة على حساب شعب آخر؛
  • وبه تجاوزت الحكومة البريطانية اختصاصاتها، ففلسطين في حينها كانت جزءاً من الدولة العثمانية؛
  • المسألة التي قد تفاجئكم أن مجلس العموم البريطاني رفض وعد بلفور وبأغلبية ستين إلى تسعة وعشرين صوتاً، والذي قصدته أن البرلمان لم يصادق على هذا التصرف الذي جاء من السلطة التنفيذية من بريطانيا؛
  • وهو لا يعدو أن يكون مجرد تصريح سياسي وليس تصريحا قانونياً وليس تصرفاً قانونياً منفرداً ملزماً.